أ.د صلاح سند يكتب: كثير من الأمراض مصدرها الحياة الجنينية

 علمياً ثبت أن كثير من الأمراض مصدرها الحياة الجنينية ، ويفسر ذلك بنظرية برمجة الجنين، فقد أودع الله داخل الشفرة الوراثية لكل مخلوق خاصية حب البقاء، فيتكيف مع التغيرات البيئية السيئة، لاستمرار حياته، ولبقاء نوعه بالتكاثر

وهذه التكيفات لها الفائدة والضرر:

أ- الفائدة هى الحفاظ على حياة الجنين داخل الرحم ومباشرة بعد ولادته

ب- ولكن الضرر يحدث على المدى البعيد، لسببين:

١) قد قام الجنين بإجراء تغيرات جسمانية تكسبه قدرة الحياة فى بيئة الشح، ولكنه يتفاجأ بعد الولادة بظروف بيئية مختلفة، أى بيئة الوفرة، فتتحول نعمة القدرة على التكيف لمقابلة الظروف السيئة داخل الرحم إلى نقمة خارجه

٢) قد بذل الجنين الجهد الكبير الذى يساعده على البقاء حتى بلوغ التكاثر، وبعد ذلك يكون قد استنزف نفسه فيحدث التراجع السريع فى كفاءة خلاياه فيظهر كثير من الأمراض، ويتسارع الخلل كلما تقدم العمر

ولنا فى جنين الإنسان والحيوان المثال:

عند تعرض الجنين لظروف سوء التغذية، فإنه يكيف نفسه بعدة وسائل، منها:

١) تقليل استهلاك الغذاء والأكسيچين، بتقليل معدل التمثيل الغذائى الأساسى وتقليل مرور المواد الغذائية إلى الأنسجة بزيادة مقاومتها للإنسولين، مما يؤدى على المدى البعيد لزيادة الوزن والسكرى ومتلازمة تكيس المبايض

٢) إعادة توزيع المواد الغذائية والأكسيچين للأعضاء المختلفة حسب أهميتها لحياته:

أ- فيزيد إمداد المخ بالأكسيچين على حساب أعضاء أخرى، فيظهر تأثرها على المدى البعيد

ب- كما يستجيب الجنين فى درجات الأنيميا الشديدة بزيادة بناء كرات الدم الحمراء كأولوية لتعويض نقص الأكسيچين الواصل للأنسجة، وبما أن صناعة الكريات الحمراء تحتاج لكمية حديد غير متوفرة من الأم، فيتم تفضيل إيداع الحديد داخل الكريات الحمراء على حساب الأعضاء الأخرى مثل المخ والقلب، والتى هى فى حاجة ماسة للحديد لإنتاج الطاقة اللازمة لوظيفتها، ويظهر تأثير هذا النقص على المدى البعيد على الوظائف المعرفية، وقدرة القلب وبقية الأعضاء 

٣) تقليل معدل انقسام الخلايا لزيادة عددها، مقابل الإسراع فى نضوجها الوظيفى، وقد ثبت فى حيوانات التجارب أن تعرضها لنقص المواد الغذائية نتج عنه نقص فى عدد الوحدات الأساسية المكونة للكلى، مما يؤدى لحدوث أمراض الكلى فى أعمار أصغر من المتوقع

٤) وبتعرض الجنين لفترة طويلة من الظروف السيئة يكتسب القدرة على إنجاز عملياته الحيوية بأقل قدر من المواد الغذائية، فيزيد وزنه فى بيئة الوفرة أثناء الطفولة

٥) والأكثر خطورة باستمرار بيئة الشح داخل الرحم هو تأثر الچينات بما نسميه تغير التعبير الچينى، والذى يستمر طوال الحياة كما يمكن أن يورث للأجيال التالية. ويرتبط بهذه النقطة زيادة إفراز هرمونات التوتر (الكورتيزون والأدرينالين)، مع حدوث العلل المرضية التى قد تنتج بسبب ذلك على المدى البعيد

ولذلك، أثناء الحمل يجب الانتباه للآتى:

١) تجنب التعرض لظروف غير ملائمة:

• ظروف بيئية مؤذية من الجو (كاستنشاق نواتج احتراق الوقود، والمبيدات الحشرية)، ومن الأكل (كتلوث الأسماك بسبب الصرف الصناعى والصحى الجائر)، وأنواع من البلاستيك فى أكياس حفظ الطعام وزجاجات الشرب، والفاكهة والخضروات الملوثة، والخبز الملوث بعوادم احتراق الوقود لعرضه على واجهات المخابز

• الإسراف فى تناول أدوية خارجة عن التوصيات العلمية، سواء فى دواعى الاستخدام أو فى الجرعات الموصوفة، مثل الأسبرين، والهيبارين، وهرمون البروچيستيرون المثبت للحمل، وحقن الكورتيزون المحفزة لنضوج رئة الجنين

٢) الاهتمام بالغذاء الصحى: وهذا ليس كلاما مرسلاً، فمثلا وجد أن نقص الحديد والبروتينات مع زيادة الدهون والكربوهيدرات تزيد بعض الأمراض، مثل متلازمة الأيض المرضية

٣) تناول بعض المكملات الغذائية، فقد وجد فى عصرنا الحالى أن الغذاء الصحى قد لا يكون كافيا لإمداد الحامل  باحتياجاتها بسبب نقص موارد الأرض من العناصر  التى تدخل فى تكوين النبات والحيوان اللذين يقتات عليهما الإنسان، مقابل احتياج أكثر لخلايا الجسم بسبب تعرضها للتلوث البيئى.

أ.د صلاح على سند

أستاذ التوليد وأمراض النساء

كلية طب قصر العينى – جامعة القاهرة