تبقى الحالة المصرية متفردة، في العلاقة بين الطبيب والمريض، لا نظير لها، في كثير من بلدان العالم، هكذا جسدتها جائحة كورونا، بما حملته من معانٍ مليئة بالشجاعة و التضحيات والفداء .
بقلم : أ.د شرين غالب
بين ملايين الحالات اليومية، لا يجب أن يعكر صفو هذه العلاقة، خطأ بشري، أو شكاوى نرصدها فردية، فيبقى الطبيب ملاذ مريضه وناصحه المؤتمن على أسراره، ولا أبالغ في القول بأن ثقة المريض في طمأنة طبيبه أحد عوامل تحسن حالته.
ولا تنفصل علوم الطب عن الإيمان المطلق بقدرة الخالق، هكذا تعلّمنا أن الطبيب يأخذ بالأسباب و يبذل العناية ويبقى الشفاء من الله، ولنا في نبي الله عيسى قدوة ونبراساً، حين أخبرنا عنه القرآن الكريم في قوله تعالى ” وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ “. صدق الله العظيم
أما القوانين الوضعية، والتشريعات الحاكمة للمجتمع، فتتصدى بحزم وحسم لأي خلل في هذه العلاقة، لا سيما لو كان متعمداً أو محدثاً لضرر، و لا يُتصور أن تتجاوز حدود هذه التشريعات إلى الحكم على النوايا أو المحاسبة على مضاعفات طبية، بذل قِبَّلها الطبيب غاية قدرته.
ولا يُعقل أن تُغل يد الطبيب ، أو يرتجف مشرط الجراح، أمام سيف الحبس المسلط على رقبته، إذا ما هب لإنقاذ حالة طارئة، أو لم يُسعفه القدر في علاج مريض، ذهبت روحه لبارئها، وآخر استعصت على الطب حالته، وثالث اشتكى من مضاعفات مذكورة في كتب الطب، ورابع وخامس..إلى آخره.
وبذات القدرمن التمسك بحقوق الأطباء ، أدعو لتغليظ العقوبة بحق من يرتكب خطأ عمدي، أو ينتحل صفة أو يتجرأعلى إجراء جراحة في غير تخصصه ، سالكاً فى ذلك مسلك الغش والتدليس ، فالمرضى أيضا هم أب وأم وابن وعم وأهل وجيران ، حقوقهم أولى بأن تصان.
هذا كله وأكثر ما تحويه فلسفة التشريع المُعطل إقراره، لقانون المسؤلية الطبية فى أدراج مجلس النواب ، والأولى أن يُقر ليحفظ حق الطبيب والمريض، في التعويض والإدانة والبراءة أيضاً، تأسيساً على رأي لجنة ذات مرجعية علمية، لتحديد ماهية الخطأ، وتقرير الضرر، والبحث في المضاعفات الطبية، حتى لا يؤاخذ طبيب بجريرة القدر، ولا يُظلم مريض قد ثبت في حقه تقصير.
تنظيم هذه العلاقة الخاصة للغاية بين الطبيب والمريض، لا بد أن يخضع لتشريع خاص -قانون المسؤلية الطبية- ما إذا توافرت حسن النية وسلامة القصد، ولا يمكن أن يكون بحال من الأحوال، مستنداً لقوانين مكافحة الجريمة ويخضع لتدابير الحبس الاحتياطي.
ولا يخفى على أحد أن مَا آلات اليه الأمور من هجرة الكفاءات الطبية، ولجوء الأطباء لممارسة الطب الدفاعي الذي يكلف المرضي فوق طاقتهم، إنما غيض من فيض، وضريبة يدفعها المجتمع عن تأخير إصدار قانون المسؤلية الطبية، بما يُبقي سيف الحبس مسلطاً على رقاب الأطباء.
نقيب أطباء القاهرة
رئيس قسم الطب الشرعى والسموم الإكلينيكية
كلية طب قصر العينى – جامعة القاهرة